إنها السنوات العجاف فى زمن الأسلام الجديد ..!
إن هذا لعجيب .. مات سقراط ، وأفلاطون ، وأرسطوا ، مات ابن رشد .. مات ابى نصر الفرابى .. مات العقاد ومصطفى صادق الرافعى .. مات أصحاب المذاهب الأربعة .. حتى المعتزلة هدمت مدرستها .. مات الأنبياء جميعاً .. وكل الحكماء والفلاسفة .. مات الأدباء والمفكرين .. وما استطاعوا أن يؤدبوا بحكمتهم وفلسفتهم الا الكتب ، التى كتبوها فتركوها للأجيال تعبث بها وتعيد هيكلتها بفكر مسموم اعرج .. وليتنا تعلمنا من تلك الكتب ..!
لم يخرجوا إلى الدنيا أمة قبله .. فخرجت على يد رجل أمى أمة كبيرة تدعى المسلمون .. رحم الله رسولنا الكريم ، الذى ذاق الأمرين ، والويل ، وكد ، وعرق ، وكافح ، وحارب أهل الضلال والظلام .. حتى اثبت جدراته ،وصدق مقصده ، ووصل رسالته وتكليفاته المدعومة والمؤيدة من الله ..!
الرجل الأمى الذى لا يقرأ ولا يكتب .. ولم يدرس ولم يتعلم .. فعل مالم يفعله غيره من الأنبياء وأصحاب الرسالات السماوية .. !
فتمم مكارم الأخلاق ورحل ..!!
افتسخر الحقيقية من كبار الفلاسفة والحكماء واهل السياسة والتدبير ..!!
عاشوا الف الف عام يعبثون جميعاً او كانوا يعملون عبثاً ..!
أمة كبيرة عربية ، وغير عربية تستسلم ل.. محمد ابن عبد الله الفارس الأعزل ، الذى لم يحمل سوى الكلمات الطيبة .. انه رسول الله وخاتم الأنبياء .. إن العلماء بهيئة السماء وأجرامها وحساب أفلاكها .. ليسوا هم من يسيرون الجبال ، ولا يخرجون الشمس من قبرها المظلم فى كبد السماء ..!
لكنه فعل .. وبهذا الدين كون امة غيرت مجرى حياة الأمم .. تقدمت حاملة السلاح والأخلاق وآيات يقشعر لها الأبدان ، وتسيل الدموع الساخنة من سماعها وتلاوتها.. صارت قوية فى ظاهرها وباطنها .. فمن وراء تلك الأسلحة اخلاقهم ..وبذلك تكون اسلحة المسلمون الأوائل هى نفسها ذات أخلاق ..!
اندفع الدين الأسلامى بسلاح الأخلاق ، وبأخلاقه ، اندفاع العصارة الحية فى الشجرة الجرداء .. حتى اخضرت الدنيا بلونه الطبيعى .. انها الطبيعة التى تعمل فى طبيعة .. فوق كل سياسات البشر ، وتاريخهم ، وامجادهم الهوجاء الصماء ..
كانت الأمة فخورة بنفسها .. بأخلاقها .. شتان بين عمل الأمس وعمل اليوم .. شتان بين مسلم الأمس ومسلم اليوم .. !
كل الجهود التى بذلها رسول الأمة وحراسها وفرسانها ، اندثرت ، وتبعثرت فى أدراج الريح الشهوانية .. تسوقها رياح المادية .. ان المسلمون الأوائل ليسوا كهؤلاء المسلمون انهم كالروم والفرس والملوك القساة الغلاظ المستكلبون كالبهائم .!
انهم فهموا متاع الدنيا بفلسفة الحيوانات فى ادغال الغابات .. التى تأكل بعضها البعض ، وتنهب بعضها البعض ، وتسرق بعضها البعض ، وتكذب بعضها العبض ، حتى صار الكذب مهنة ، والنفاق حرفة .. والسجن تشفى وإذلال .. فأصبح اليوم الفكر الجديد ليس بحاجة إلى مفهوم الحلال والحرام ..!
بعد ان غاب فكر الأنسانيون الرحماء المتعففون ..!
انها السنوات العجاف .. انه السر الذى لا يفهمه الا الله وحده .. سر طبيعة الأنسان ، الطبيعة العمياء .. انها كالغضب الأعمى ، والحب الأعمى ، والأندفاع الأعمى ، والقلوب العمياء .. !
إن نهاية النهايات أن يشعر الأنسان بفقدان إيمانه بالله وبنصوص كتبه السماوية ، ولا يبالى المقادير ولا سلطة القدر على الخلق والحياة .. لتضيع سنوات من الجهد والتعب والألم ، قضاها الرسول فى غربته يبنى المسلم ، ويقيم جدران دنيته الجديدة ، ويطرحه نبضاً حياً لتتعلم منه سائر الأمم فى كل زمان ومكان .. معنى سمو الأخلاق ، وبهاء السيرة ، وعطر المسيرة ، التى مزق اوراقها حفنة من البشر يدعون انهم مسلمون ، وحفظة للقرآن الكريم .. راحوا يتصارعون على السلطة .. على المال .. على آمراة ينكحونها بقوانين وفتاوى لم ينزل الله بها بسلطان .. !
ونسوا أنه لا تكون خدمة الأنسانية الا بذات عالية لا تبالى غير سموها ..!!
فالأمة التى تبدل كل شيىء وتستمسك بالحياة جنباً وحرصاً لا تأخذ شيئاً.. والتى تبذل أرواحها فقط .. تأخذ كل شيىء ..!
عودى يا أخلاق عودى .. عود يا ضمير المسلم عود .. عود يا ضمير المسيحى .. عود ياضمير اليهودى .. فلقد ضاقت بنا الحياة بفضل ضمائركم التى غربت شمسها فى المغيب ..!