أخبار الشرق الأوسط _
تقرير يكتبه _ حسان التليلى _
قبل ستين عاما قام أيقونة الثورة الكوبية تشي جيفارا الأرجنتيني المولد بزيارة إلى عدد من البلدان العربية منها مصر وسوريا والسودان في إطار جولة إفريقية آسيوية. ومن الأسئلة التي تَفرض نفسها في مثل هذه المناسبة تلك التي تتعلق بما بقي من بصمات المشروع الذي كان غيفارا يحمله باتجاه العالم العربي بعد التحولات الكبيرة التي حصلت فيه طوال أكثر من نصف قرن.
ما يمكن اليوم أن يثلج صدر تشي غيفارا لو كان بإمكان صدره أن ينبض بالحياة من جديد أن الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ترمز عنده وعند رفاقه في الثورة الكوبية إلى قاطرة الإمبريالية حسب التعبير الثوري الماركسي لم تغير كثيرا من ممارسات كانت تلجأ إليها واستجوبت تنزيلها هذه المنزلة. وأحداث شهر يونيو -حزيران عام 2019 حافلة بأمثلة عن هذه الممارسات منها تلك التي تتعلق بكوبا البلد الذي احتضن غيفارا وجعل منه سفيرَ الثورة الكوبية ورموزَها في ما كان يُسمى “العالم الثالث” آنذاك.
والملاحظ أن أول لقاء بين فيديل كاسترو زعيم هذه الثورة وغيفارا أيقونتها حصل عام 1955 أي سنة انعقاد مؤتمر باندونج في إندونيسيا والذي أطلق “حركة عدم الانحياز” إلى المعسكرين الغربي والشرقي. وكان جمال عبد الناصر أحدُ قادة ثورة يوليو 1952 في مصر أحدَ المشاركين فيها. وكانت بلدان عربية أخرى منها السودان ومصر قد شاركت بدورها فيها.
من أحداث يونيو الجاري التي تؤكد مجددا ما كان يقوله تشي غيفارا عن الولايات المتحدة الأمريكية خلال جولته العربية قبل ستين عاما القرارُ الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على كوبا والذي بدأ تنفيذه في الخامس من الشهر الجاري. ويقضي بمنع السفن السياحية الأمريكية من زيارة كوبا لأن ترامب يرى أن كوبا لا تزال تشكل عاملا مهما من عوامل عدم الاستقرار في أمريكا اللاتينية في إشارة إلى وقوف القيادة الكوبية الحالية إلى جانب نظام نيكولاس مادورو في فنزيلا.
من الأمثلة الأخرى التي تؤكدها أحداث الساعة بشأن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم العربي حسب غيفارا ورفاقه “مؤتمرُ البحرين للسلام الاقتصادي” الذي سيُعقد في المنامة يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من الشهر الجاري والذي يجسد سعي الإدارة الأمريكية إلى تهميش القضية الفلسطينية برمتها وتحويلها من مشروع للتحرر من الاحتلال والاستيطان إلى مجرد ورشة ذات طابع اقتصادي.
من جهة أخرى، تمر الزيارة التي أداها قبل ستين عاما تشي غيفارا إلى عدد من البلدان العربية منها مصر وسوريا والسودان في وقت فنَّدت فيه التحولات التي شهدها العالم العربي إحدى مقولاته الشهيرة عن العالم العربي. فقد ألح أكثر من مرة خلال هذه الزيارة وزيارات أخرى تلتها منها تلك التي أداها إلى الجزائر في فبراير –شباط عام 1965 على ضرورة تلازم مسار الحُكَّام العرب والشارع العربي في طريق واحدة للتحرر من شتى أشكال الهيمنة الخارجية والفساد. ولكن الطريق التي سلكها الحكام العرب عموما منذ ستين عاما متباينة تماما مع مطامح الشارع العربي. وهو سبب جوهري في ما يُسمى “حَراك العالم العربي أو ربيعَه”.