أخبار الشرق الأوسط _
أكاد لا أصدّق أحياناً، عندما اضطر الى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (وبتُ أستخدمها مضطرة فقط)، كمية الكراهية التي باتت منتشرة على هذه المنابر. تحريض دنيء، عنصرية مقيتة، شتائم على مد العين والنظر، دعوات الى العنف بكل أشكاله، سموم وأوساخ لا تُحتمل من كل حدب وصوب.
ماذا يقول ذلك عنّا كلبنانيين؟ أطرح هذا السؤال رغم أني أدرك تماماً أن خطاب الكراهية هذا بات موجوداً في كل الثقافات والبلدان، وأن الانترنت وأدواته سهّلت الى حد كبير تطبيعه.
لكني أسأل تحديداً عن لبنان، أولاً لأني معنية به خصوصاً كلبنانية، وثانياً لأن الإهانات فيه، على غرار كل ما يفعله اللبنانيون، فيها إيد وأجر، كما نقول. أي أنها تخضع بطبيعة الحال لسياسة المكيالين.
فإذا انتقد صحافي أو إعلامية أو حتى مواطن عادي أحد أركان السلطة، يتم سحبه أو سحبها الى الاستجواب بنشاط وسرعة يبيّنان مدى تفاني أجهزة الأمن، وترفع عليه أو عليها الدعاوى، وقد يقبع في السجن، كله باسم النيل من كرامة موقع سلطة. أما كرامة موقع المواطن، فبتسوى فرنك، ومثلها كرامة غالبية الصحافيين، والصحافيات خصوصا، الذين واللواتي يتجرؤون على التعبير عن آرائهم.
قرأت مثلا منذ يومين تغريدة لأحدهم يقول فيها للإعلامية ديما صادق أنها “تستحق الاغتصاب”! لم أصدّق عينيّ. أعدت قراءة التغريدة مرات عدة حتى تأكدت. يا لهذا القيء. يا لهذه السفاهة. في جميع البلدان التي تعتبر حرية التعبير مقدّسة، هناك في المقابل عقوبات حادة لمن يدعو الى ارتكاب جرائم. نحن، كالعادة، نفهم كل شيء بالمقلوب: أصحاب السلطة يحتمون برمزية مواقعهم لمحاكمة من ينتقدهم، ويستخدمون حجة حرية التعبير عندما يتعرض خصومهم للشتم أو التهديد.
إنهم، هم وجيوشهم الالكترونية، منتحلو صفة بشر. بس هيك، على قول ديما.
جمانة حداد
شاعرة وكاتبة وصحافية لبنانية، مسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة “النهار” في بيروت. أستاذة في الجامعة اللبنانية – الأميركية وناشطة في مجال حقوق المرأة. أسست مجلة “جسد” الثقافية المتخصصة في آداب الجسد وعلومه وفنونه. أصدرت عشرات الكتب في الشعر والنثر والترجمة وأدب الأطفال لاقت صدى نقدياً واسعاً في لبنان والعالم العربي وتُرجم معظمها إلى لغات أجنبية. نالت جوائز عربية وعالمية عديدة. من آخر إصداراتها “هكذا قتلتُ شهرزاد” و”سوبرمان عربي”.